Page 76 - web
P. 76

‫‪436‬‬  ‫مـن معالـم الوثيقـة الخالـدة وثيقـة المدينـة المنـورة‪،‬‬  ‫تؤكد وثيقة مكة المكرمة‬                                ‫ومـن الملاحـظ أن خطـاب الكراهيـة اتخـذ مـن‬
     ‫التـي عقدهـا النبـي صلى اللـه عليـه وسـلم قبـل‬              ‫أهمية مبادئ التسامح‬                               ‫شـبكات التواصـل الاجتماعـي والمنصـات الرقميـة‬
     ‫أربعـة عشـر قر ًنـا‪ ،‬والتـي كانـت وثيقـة دسـتورية‬           ‫والتفاهم المتبادل بين‬                             ‫وسـيلة لانتشـاره وتسـويقه على أوسـع نطـاق‪،‬‬
     ‫تحتذى لإرساء قيم التعايش وتحقيق السلم بين‬                     ‫الشعوب من مختلف‬                                 ‫بوصفهـا وسـائل الإعالم الجديـد والبديـل‪ ،‬حيـث‬
                                                                  ‫الثقافات والأديان‪ ،‬التي‬                          ‫أصبحـت فع ًال سـاحة أكثر انفتا ًحـا لخطـاب‬
                      ‫مكونـات المجتمـع الإنسـاني‪.‬‬                   ‫تتوافق مع المبادئ‬                              ‫الكراهيـة الجماعـي؛ مـا يمكـن العديـد مـن الأ ـفراد‬
     ‫الوثيقـة تضمنـت تسـعة وعشـرين مبـدأ اعتمدهـا‬                 ‫والأهداف المنصوص‬                                 ‫مـن المشـاركة في توليـد ونشـر وتصعيـد مثـل هـذا‬
     ‫المؤتمـرون‪ ،‬لمواجهـة قضايـا العصـر المرتبطـة بترقيـة‬                                                          ‫التعبير إلى درجـة لـم تكـن ممكنـة مـن قبـل‪،‬‬
     ‫حقـوق الإنسـانية ونبـذ الكراهيـة والعنـف والسـعي‬          ‫عليها في ميثاق منظمة‬                                ‫وهـذا مـن حيـث العـدد الهائـل للمتلقني لخطـاب‬
     ‫المتواصـل مـع مكونـات العالـم كافـة لتحقيـق‬                      ‫التعاون الإسلامي‬                             ‫الكراهيـة وات ـساع رقعـة وأماكـن تواجدهـم عرب‬
     ‫صالـح البشـرية‪ ،‬وتعزيـز قيمهـا النبيلـة‪ ،‬وب ـناء‬                                                              ‫العالـم‪ ،‬دون أي قيـد وفي وقـت ق ـياسي‪ ،‬وبهـذا‬
     ‫جسـور المحبـة والوئـام والتصـدي لممارسـات الظلـم‬        ‫مكـة المك ّرمـة» المنعقـد بني ‪ 22‬و‪ 24‬مـن شـهر‬         ‫لا تعـد المجتمعـات العربيـة والإسالمية بمنـأى‬
     ‫والصـدام الحضـاري وسـلبيات الكراهيـة‪ ،‬والعمـل‬           ‫رمضـان لعـام ‪1440‬هـ الموافـق ‪ 27‬إلى ‪ 29‬مايـو‬          ‫عـن هـذه الظا ـهرة السـلبية المتعلقـة بخطـاب‬
     ‫الدينـي والإنسـاني الم تشرك الهـادف لمصلحـة‬             ‫لعـام ‪2019‬م‪ ،‬وهـي وثيقـة استرشـادية اعتمدهـا‬          ‫الكراهيـة‪ ،‬فقـد تفاقمـت مظا ـهره وأ ـضراره في‬
     ‫الجميـع يلـزم تشـارك الجميـع دون إق ـصاء أو‬             ‫أكثر من ‪ 1200‬من علماء المسـلمين من ‪ 129‬دولة‬           ‫مجتمعاتنـا‪ ،‬بالأخـص في ظـل إتاحـة اسـتعمالات‬
                                                             ‫و‪ 27‬مذه ًبـا وطائفـة دينيـة في مكـة المك ّرمـة‪ ،‬تحـت‬  ‫شـبكات التواصـل الاجتماعـي‪ ،‬حيـث يزعـم بعـض‬
      ‫عنصريـة أو تمييـز لأت ـباع ديـن أو عـرق أو لـون‪.‬‬       ‫لواء رابطة العالم الإسالمي‪ ،‬حيث تؤكد الوثيقة‬          ‫أصحابه أنه من النقد وحرية التعبير‪ ،‬فيتهكمون‬
     ‫وأبـرز مـا ـجاء في نـص الوثيقـة‪ ،‬أن البشـر على‬          ‫أهميـة مبـادئ التسـامح والتفاهـم المتبـادل بني‬        ‫وينتقـدون سـل ًبا ويح ّرضـون على الإخالل بالنظـام‬
     ‫اختالف مكوناتهـم ينتمـون إلى أصـل واحـد‪ ،‬وهـم‬           ‫الشـعوب مـن مختلـف الثقافـات والأديـان‪ ،‬التـي‬         ‫العـام وإثـارة الفتن في المجتمعـات‪ ،‬بتأييـد مـن‬
     ‫متسـاوون في إنسـانيتهم‪ ،‬رافضـون العبـارات‬               ‫تتوافـق مـع المبـادئ والأهـداف المنصـوص عليهـا في‬     ‫مخابـر عدائيـة تعمـل على تأجيـج النزاعـات والفتن‬
     ‫والشـعارات العنصريـة‪ ،‬والتنديـد بدعـاوى‬                 ‫ميثاق منظمة التعاون الإسالمي‪ ،‬والجزائر عضو‬
     ‫الاسـتعلاء البغيضـة؛ إذ إن الاختالف بني الأمـم‬                                                                                               ‫في الأوطـان‪.‬‬
     ‫في معتقداتهـم وثقافاتهـم وطبائعهـم وطرائـق‬                              ‫في ذات المنظمـة منـذ ‪1969‬م‪.‬‬           ‫في هـذا الإطـار‪ ،‬ت ـعرض فيسـبوك‪ ،‬وهـو الشـبكة‬
     ‫تفكيرهم ق َد ٌر إلهي قضت به حكمة الله البالغة‪،‬‬          ‫وتعترب وثيقـة مكـة المك ّرمـة مـا ـجاء فيهـا مـن‬      ‫الرقميـة التواصليـة الأكثر شـيو ًعا في العالـم‪ ،‬إلى‬
     ‫والإ ـقرار بهـذه السـنة الكونيـة والتعامـل معهـا‬        ‫مبـادئ‪ ،‬هد ًيـا إسالم ًيا‪ ،‬حيـث تسـتمد ضياءهـا‬        ‫مسـألة خطـاب الكراهيـة بتأكيـده أنـه «لا ُيسـمح‬
     ‫بمنطـق العقـل والحكمـة بمـا يوصـل إلى الوئـام‬                                                                 ‫بالمحتـوى الـذي يهاجـم الأشـخاص على أسـاس‬
     ‫والسالم الإنسـاني خي ٌر مـن مكابرتهـا ومصادمتهـا‪.‬‬                                                             ‫عرقهـم الفعلي أو المتصـ ّور أو الإثنيـة أو الأصـل‬
     ‫وتضيف مبادئ الوثيقة أن التنوع الديني والثقافي‬                                                                 ‫القومـي أو الديانـة أو الجنـس أو ال ـنوع الاجتماعـي‬
     ‫في المجتمعات الإنسانية لا ُيبرر الصراع والصدام‪،‬‬                                                               ‫أو الهويـة الجنسـية أو التو ّجـه الجنسي أو الإعاقـة‬
     ‫بـل يسـتدعي إقامـة ـشراكة حضاريـة إيجابيـة‪،‬‬                                                                   ‫أو ال ـمرض»‪ ،‬إلا أن الواقـع يبني أن آليـات فيسـبوك‬
     ‫وتواص ًال فاع ًال يجعـل مـن الت ـنوع ج ـس ًرا للحـوار‪،‬‬                                                        ‫الرقابيـة تبقـى محـدودة ومتأ ـخرة الصـدى‪،‬‬
                                                                                                                   ‫لمواجهـة التفاعـل السـريع للمنشـورات السـلبية‬

                                                                                                                     ‫التـي ت ـحرض على التمييـز وخطـاب الكراهيـة‪.‬‬

                                                                                   ‫ثان ًيـا‪ :‬وثيقـة مكـة المك ّرمـة في مواجهـة التمييـز‬
                                                                                                            ‫وخطـاب الكراهيـة‬

                                                                                   ‫إن ديننا الحنيف ينبذ كل أشكال العنفوالكراهية‬
                                                                                   ‫والغيبـة والنميمـة والتنابـز بالألقـاب والتجريـح‬
                                                                                   ‫في الأ ـعراض وقـذف المحصنـات‪ ،‬هـو موقـف جمـع‬
                                                                                   ‫كبـار عل ـماء الأمـة الإسالمية في مبـادرة متم ـيزة‪،‬‬
                                                                                   ‫أخرجـت إلى النـور فيمـا ُي ـعرف بمؤتمـر «وثيقـة‬

     ‫‪75‬‬
   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81